"لبنان" لفظ مستمد من اللغات السامية القديمة، وقد بقي عبر العصور محافظا على أصله دون اختلاف يذكر.
فقد ورد باسم "لبنانا" و "لبان" عند الأكاديين.
و "لبلانا" و "لبلاني" و "نبلاني" و " لبنانو" عند الأشوريين والبابليين.
و "رمنن" و "ربرن" في اللغات المصرية.
و "لبنون" في الآرامية.
وضبطه الفينيقيون والعبرانيون "لبنون" وعنهم اشتق اليونان والرومان الاسم "ليبانوس".
اما العرب فقالوا "لبنان" بضم اللام وسكون الباء وفتح النون.
والاسم مشتق من جذر ثلاثي مشترك بين جميع اللغات السامية هو "لبن" ومعناه "أبيض"
وهناك ثلاثة تفسيرات تعلّل تسمية "لبنان":
منذ العصور القديمة كان الاسم "لبنان" يستعمل للدلالة على الكتلة الجبلية الممتدة من النهر الكبير الجنوبي ( Eleutherus" نهر الحرية) في الشمال، حتى تخوم أرض الميعاد في الجنوب.
هذه الكتلة الجبلية تتألف من فرعين متوازيين: السلسلة الغربية والسلسلة الشرقية، تجمع بينهما هضبة البقاع التي يبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر حوالي 950 مترا.
ولم يفرق أنبياء العهد القديم بين هذين الفرعين التوأمين، فاطلقوا الاسم "لبنان" على كليهما. ففي نشيد الأناشيد (4:7) نقرأ:
"عنقك كبرج من العاج وعيناك كبركتي حشبون عند باب الجماعة، وأنفك كبرج لبنان الناظر الى دمشق". "وبرج لبنان" في هذا النص هو "جبل حرمون" في السلسلة الشرقية من جبال لبنان الذي يطّل على دمشق. والمؤرخ اليهودي يوسيفوس، الذي دوّن في القرن الأول بعد الميلاد وكتب باليونانية، اشار الى جبل الشيخ وما يحيط بدمشق من جبال وتلال ودعاها باسم "لبنان". ثم انه يذكر "منابع نهر الاردن الذي يتدفق من جبل لبنان"
وشعراء العرب يثبتون هذا القول ويلقبون نهر الأردن الذي ينبع من سفوح جبل الشيخ (حرمون): "ابن لبنان البكر".
أما اسقف صور، وليم الصوري (حوالي 1130 - 1186).
الذي أرخ للحملات الصليبية فهو بدوره يذكر
أن نهر الأردن له منبعين في سفح جبل لبنان، احدهما اسمه "يور" أو "Jor" والآخر "دان" أو "Dain" ومن هذين الاسمين اشتق نهر الأردن "Jor-Dain" وبذلك يؤكد المؤرخ على ان اسم لبنان شمل السلسلة الشرقية أو جبل الشيخ (حرمون) بالإضافة الى السلسلة الغربية. لكن هناك من كتبة اليونان، من خصوا لبنان الغربي بالاسم "لبنان" وميزوه بالتسمية عن لبنان الشرقي الذي دعوه "لبنان القائم بازاء لبنان"= "Anti-Lebanos" والمعروف قديما ب "سيريون".
يقول العالم De Vaumas: "من طوروس وأرمينيا الى سيناء واليمن والحبشة، من كريت حتى زغروس، يملك لبنان كسيد لا على صحاري سوريا والمتوسط الشاسعة فحسب بل على الجبال التي تحدّها وتفصل بينها أيضا". وهو يؤكد بذلك أن "لبنان الجبل" هو عملاق جبال المتوسط الشرقي وهو في الوقت ذاته "الجبل الأبيض" للشرق الأدنى.
وتعود تسمية لبنان ب "الجبل الأبيض" لسببين :
اما لبياض ثلوجه التي تكسو قممه في أكثر فصول السنة واما لطبيعة صخوره الكلسية البيضاء.
فالعلاّمة روبنسون E. Robinson يتبنى التفسير الثاني: قرب البحر... كل هذا الجانب من الجبل يبدو مكّونا من كتل ضخمة من الصخور البيضاء العارية. ان ظاهرة بياض صخور الجبل هذه، عندما ينعكس نور الشمس عليها، توضح بشكل كاف التسمية القديمة للبنان : " الجبل الأبيض".
لكن الأب F-M. Abel يردّ هذا التفسير ويرجع بياض لبنان الى ثلوجه فيقول " من الأفضل التسليم بأن هذا البياض هو بسبب الثلوج التي تدوم على القمم قسما من السنة ".
ويسهب الأب مارتن اليسوعي في التفسير فيقول: لا ريب في أن أعظم شيء أثر التأثير البالغ في من سكنوا لبنان أولا، انما هو تكلل هامته بثلج دائم، يشتعل بياضا فوق أعلى رؤوسه، على رغم ما للشمس من الحرارة في مثل العرض الذي هو فيه. فأوجب عليهم المنظر المذكور بالطبع أن يسموه باسم مشتق من بياض اكليله، فأطلقوا عليه اسم لبنان لأن معناه البياض"
ونجد في "معجم التوراة" تفسيرا آخرا يشابه نظرية الأب مارتن :
" يكفي أن يظل لبنان مكللا بالثلج وقتا طويلا من السنة حتى تلفت هذه الظاهرة نظر الشرقيين، فتعطي للبنان هذه التسمية" ويؤكد ارميا على وجود الثلج في لبنان : " هل يخلو صخر الصحراء من ثلج لبنان".
وفي شرحه لمؤلف النبي ارميا يثبت القديس ايرونيموس هذا التفسير بقوله : "ان لبنان معناه البياض". كما أن بعض الجغرافيين والشعراء المسلمين سمّوا جبل الحرمون "جبل الثلج" " وطور ثلجه" و " بوفضة" (نسبة للونه الفضي).
وهناك غيرهم ممن يذكرون اللون الفضي لجبال لبنان المكللة بالثلج : " ان سلسلة قمم لبنان تبدو من جهة البحر زرقاء في الصيف فضيّة مثلجة في الشتاء والربيع وذات منظر اخّاذ".
"وجبل القوقاز" يعني أيضا "الجبل الأبيض" للسبب عينه. وكلمة "هملايا" تعني في السنسكريتية "موطن الثلج". وفي جزيرة كريت بعض قمم جبال Idea تسمى Leuca أي "البيضاء" بسبب الثلوج التي تغمرها.
لبنان - جبل الطيوب
لاسم لبنان معنى آخر يرجعه البعض الى شجرة عطرية مشهورة هي شجرة "اللبان" أو "اللبنى".
و "اللبان" يعني في العربية "البخور". اما أوصاف هذه الشجرة فهي ان اوراقها كثيفة خضراء ولها زهر أبيض يشبه زهر الليمون واذا شقت قشرتها قطر منها صمغ بلسمي طيب الرائحة كالبخور، وكان القدماء يستعملون هذا الصمغ مكان البخور اذا لم يجدوا بخورا.
كانت شجرة "اللبان" أو "اللبنى" التي سمّاها اليونان "Styrax"، تكثر في لبنان حسب قول عالم الطبيعيات الروماني بلين Pline (القرن الأول ميلادي): فينيقيا كانت تنتج "اللبنى أو Styrax Officinale التي يستعملها الأطباء وخاصة العطّارين"
يقول الأب مارتن في " تاريخ لبنان" ان الكلمة اليونانية "Styrax" تشير على الأرجح الى عشتروت، ، اذ ان هذه الشجرة مكرسة لها.
والبخور يسمّى في اليونانية "ليبانوس" (Libanos) كذلك كلمة "ليبانومنسي "Libanomancie" تعني " تبخير العبادة".
(Divinisation par l ensens).
وفقد شجر"اللبنى أو "Syrax" شهرته وخصوصا تسميته، التي كانت تربطه بموطنه الأول لبنان، منذ أن نقل الى مواطن أخرى كايطاليا وفرنسا حيث أصبح يسمّى (Aliboufier) .
وفي نظرية التكوين الفينيقية للمؤرخ البيروتي سنخوني أتن، يظهر أن الأخوة العمالقة المدعوّين " لبنان" و " انتيلبنان" و" كاسيوس" و " براثي" كانوا أول من ابتدع ذبائح البخور على شرف الآلهة.
ويقول العالم Gruppe استنادا الى المعطيات السابقة ان اسمي " لبنان" و " انتيلبنان" يدلاّن على أنواع من الرحيق.
انطلاقا من هذه النظرية الأخيرة، يبدو أنه من الأصح القول، ان اسم شجرة " اللبنى" هو المشتق من اسم "لبنان" وليس العكس. فالبياض الذي هو الفكرة الأساسية في الجذر "لبن" والذي نجده في لون زهرة "اللبنى" لا يقدم دليلا كافيا لتسمية هذه الشجرة بلون زهرها الأبيض، فلا بد من أن يكون بياضها قد نسب الى بياض لبنان موطنها الأصلي ذي القمم العالية البيضاء، فنسبت اليه وتسمّت باسمه من باب تسمية الجزء باسم الكل. فلبنان قد اشتهر في العصور القديمة بغاباته الكثيفة النضرة التي كانت تعبق بأريج أشجارها وخاصة شجر الأرز العطر الذكي، الذي جعل من لبنان "جبل الطيوب" كما يسميه ديودورس الصقلي. وكان الاقدمون يحرقون خشب الأرز لتعطير الذبيحة. يقول شاعر الأوذيس' هوميروس واصفا كهف الحورية كاليبسو: " نار كبيرة كانت تتوهج فوق الموقد. في البعيد كانت تفوح رائحة الأرز وهو يخترق فتعطر الجزيرة كلها". أما فيرجيل فيذكر في الأنياذة: " وسيرسي Circe أيضا ابنة الشمس المترفة، كانت توقد في قصرها الفخم الأرز العطري لكي تنشر نورا دجويا".
أما "الكتاب المقدس" قيتكلم بدوره عن الروائح التي تنبعث من غابات لبنان. فيقول العروس لعروسه في نشيد الأناشيد:" عرف أدهانك فوق جميع الأطايب! شفتاك تقطران شهدا ايتها العروس وتحت لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان".
ويذكر النبي هوشع أيضا عطر لبنان : "تنتشر فروعه ويكون بهاؤه كالزيتون ورائحته كلبنان